فاجعة آسفي.. قرارات تخطيطية وعمرانية وتدبيرية اتخذت بشكل خاطئ كانت سببا مباشرا في الكارثة الإنسانية

 فاجعة آسفي.. قرارات تخطيطية وعمرانية وتدبيرية اتخذت بشكل خاطئ كانت سببا مباشرا في الكارثة الإنسانية
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأربعاء 17 دجنبر 2025 - 12:00

لم تأتِ فاجعة آسفي من السماء وحدها، ولا يمكن اختزالها كما جرى في الساعات الأولى بعد الكارثة، في "أمطار غزيرة" أو "اضطراب مناخي مفاجئ". فما حدث أبعد من ذلك بكثير.

مصادر تقنية محلية تحدثت لـ "الصحيفة" عن مسؤوليات وقرارات تخطيطية وعمرانية وتدبيرية اتخذت بشكل خاطئ كانت سببا مباشرا في الكارثة الإنسانية التي خلفت عشرات القتلى والجرحى والمصابين وأضرار فادحة للممتلكات العامة والخاصة.

وبحسب معطيات رسمية تداولتها السلطات المحلية، فإن التساقطات التي عرفتها آسفي كانت مركزة زمنيا، لكنها لم تبلغ مستويات غير مسبوقة تاريخيا بالمنطقة.

هذا المعطى تؤكده مصادر تقنية في مجال الأرصاد والهيدرولوجيا، تحدثت لـ"الصحيفة" عن كون "الخطورة لا تكمن دائما في كمية الأمطار، بل في كيفية استقبال المجال الحضري لها"، موضحة أن "مدينة تملك مجاري طبيعية مفتوحة وشبكات تصريف مهيأة قد تتجاوز تساقطات أقوى دون خسائر كبيرة، في حين أن مدينة ذات مجارٍ مخنوقة وقنوات محدودة السعة قد تنهار أمام نصف تلك الكمية".

هنا بالضبط يبدأ جوهر القضية، فآسفي، مدينة تشكلت تاريخيا حول أودية ومجاري مائية كانت تؤدي وظيفة تصريف حيوية نحو البحر، وهذه المجاري، وفق ما أفادت به المصادر ذاتها لـ " الصحيفة" والتي رفضت الكشف عن هويتها، خضعت خلال العقود الأخيرة لسلسلة تدخلات عمرانية بما فيها تغطية أجزاء منها، تضييق مقاطعها، تحويلها إلى قنوات إسمنتية، أو محاصرتها ببناء كثيف على جانبيها، وكل ذلك جرى تحت عناوين متعددة "إعادة الهيكلة"، "تأهيل المجال الحضري"، "تثمين العقار"، دون أن يُطرح بما يكفي من الجدية، سؤال المخاطر الهيدرولوجية على المدى المتوسط والبعيد.

مصدر سابق في جماعة آسفي، تحدث لـ"الصحيفة" مشترطا عدم ذكر اسمه، قال إن "القرارات المتعلقة بالمجاري المائية لم تكن تُتخذ دائما بناء على رؤية شمولية"، مضيفا أن "الضغط العقاري والحاجة إلى أوعية للبناء جعلا الوادي يُنظر إليه كمساحة قابلة للتطويع، لا كعنصر طبيعي يجب احترام حدوده" وهذا التصريح لا يوجّه اتهاما مباشرا بقدر ما يضيء منطقا تدبيريا ظل حاضرا في عدد من المدن المغربية حيث يُختزل التخطيط في حل آني، وتُرحّل كلفة المخاطر إلى المستقبل.

التحقيق القضائي الذي فُتح مباشرة بعد الفيضانات، بأمر من النيابة العامة يعكس هو الآخر إدراكا رسميا بأن ما وقع لا يمكن عزله عن مسؤوليات بشرية محتملة، غير أن مصادر "الصحيفة" التي تابعت الملف تشير إلى أن "التحدي الحقيقي سيكون في مدى عمق البحث" موضحة أن "التحقيق الجدي لا ينبغي أن يتوقف عند لحظة التدخل أو تقصير محتمل في الصيانة، بل يجب أن يعود إلى أصل القرارات من رخص؟ من صادق؟ من أشرف؟ وهل أُنجزت دراسات الأثر كما ينبغي؟".

ووفق مصادر الصحيفة، فإن أي مشروع عمراني يمس مجرى مائيا أو محيطه المباشر يمر نظريا، عبر مسطرة دقيقة تشمل دراسات تقنية ومصادقات متعددة لكن الفجوة، كما يقول مهندس مختص في التهيئة الحضرية "تظهر بين النص والتطبيق" موضحا أن "الدراسات تُنجز أحيانا لتأمين الترخيص فقط، دون أن تُترجم فعليا إلى شروط صارمة في التنفيذ أو إلى مراقبة لاحقة"قبل أن يضيف أن "المدينة لا تُختبر في الأيام العادية، بل في لحظة الضغط القصوى، وحينها يظهر إن كان القرار صائبا أم كارثيا".

وفي آسفي، أظهرت الفيضانات أن عددا من النقط تحولت إلى "عنق زجاجة" مميت إذ أن مياه تتجمع بسرعة ولا تجد منفذا، فتغمر المحلات والبيوت خلال دقائق ولعل شهادات السكان والتجار ممن تواصلت معهم " الصحيفة" منذ أمس الاثنين تتقاطع حول عنصر واحد هو السرعة.

"لم يكن لدينا وقت للهروب"، يقول أحد التجار المتضررين لـ "الصحيفة"، "الماء دخل فجأة وارتفع بشكل مخيف" وهذه السرعة ليست خاصية المطر وحده، بل خاصية مجال حضري لا يمنح الماء الوقت ولا المسار الطبيعي للتصريف.

مصدر تقني آخر أكد لـ"الصحيفة" أن "تغطية الأودية أو تحويلها إلى قنوات تحت أرضية لا يكون خطيرا في حد ذاته إذا احترمت المعايير لكن الخطر يبدأ حين تُقلّص السعة، أو تُهمل المنافذ، أو تُترك القنوات دون صيانة دورية" ويضيف "في هذه الحالة، يتحول الوادي من عنصر أمان إلى قنبلة موقوتة".

من جهة ثانية، فإن الغضب الذي أعقب الفيضانات في آسفي لم يكن موجها ضد الطبيعة، بل ضد الإحساس العميق بأن الكارثة كانت قابلة للتوقع، وهذا ما يجعل السؤال عن المسؤولية سؤالا سياسيا بقدر ما هو تقني، وهنا يفيد مصدر جماعي لـ "الصحيفة" بالقول: "المسؤولية لا تعني دائما فسادا مباشرا أو نية سيئة، بل قد تعني تراكم قرارات قصيرة النظر، واستسهال الاستثناء وتغييب منطق الوقاية لصالح منطق الإنجاز السريع".

المصدر الجماعي السابق لخّص الأمر بعبارة لافتة حين قال لـ"الصحيفة" أن "المدينة دُبّرت وكأن المطر ضيف نادر لا حقيقة بنيوية"، وهذه الجملة تختصر جوهر الإشكال، فالتغير المناخي بات واقعا يفرض على المدن إعادة التفكير في علاقتها بالمجال الطبيعي. وأي تخطيط لا يدمج هذا المعطى يتحول، عند أول اختبار، إلى عبء على السكان.

وما يجعل فاجعة آسفي أكثر إيلاما هو أنها لم تضرب منطقة هامشية فقط، بل قلب النشاط التجاري والاجتماعي للمدينة فالضحايا سقطوا في أماكن العمل والرزق، لا في مناطق نائية وهذا ما يرفع منسوب المسؤولية الأخلاقية والسياسية، لأن الأمر متعلق بنمط تدبير أثّر مباشرة في حياة الناس.

اليوم، وبعد انحسار المياه، تقف آسفي أمام لحظة مفصلية إما أن يُطوى الملف بتفسيرات عامة عن "غضب الطبيعة" أو أن يُفتح بجرأة نقاش مؤسسي حول التخطيط والتعمير والمساءلة فيما التحقيق القضائي هو خطوة أولى من شأنها أن تظهر الحقيقة الكاملة لفتح ملفات المشاريع وتدقيق الدراسات ووضع القرارات تحت مجهر المساءلة وهو ما أجمع عليه مختلف الخبراء والمصادر المقربة من الملف التي تواصلت معها "الصحيفة" في غضون اليومين السابقين.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...